تستحق اليابان بلا منازع لقب أفضل منتخب آسيوي خلال التصفيات، لا سيما أن الأداء الذي تقدمه والأرقام تبرهن على ذلك، لكن الكثير من الأوقات يطرأ تساؤل عن كيفية تطور هؤلاء اللاعبين داخل صفوف الساموراي، ولماذا لا نرى منتخبات آسيوية وعربية مثل السعودية يمكنها منافسته، رغم أن الإمكانيات تبدو متوفرة.
وخلال مواجهة السعودية واليابان على ملعب سايتاما الشهير في التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى كأس العالم 2026، المقامة في قارة أميركا الشمالية والتي انتهت بالتعادل السلبي ظل الفرنسي هيرفي رينارد مدرب الأخضر يلجأ للأسلوب الدفاعي على أمل حماية مرمى نواف العقيدي من أي هدف، واستمر على هذا النهج حتى نهاية المباراة.
ورغم الدفاع الذي أسفر عن نقطة في نهاية المطاف، فإن مرمى العقيدي كان عرضة للكثير من الفرص الخطرة، فيما لم يقم هجوم السعودية بأي مرتدات خطيرة، لأن الأخضر كان في حالة تحفظ بالخط الخلفي، وهو ما دفع الجمهور لانتقاد أسلوب رينارد في التعامل مع اليابان.
لكن يبدو أن رينارد كان على إدارك بأن فتح الملعب سيكلفه الكثير أمام لاعبين يمكنهم إيذاء أي منافس بالمرتدات والتحولات، وكان منتخب ألمانيا تحت قيادة مدرب مثل هانسي فليك في كأس العالم 2022، بمثابة ضحية صادمة للساموراي.
السعودية واليابان… قاعدة الشباب
يستمر نسق اليابان في ارتفاع لأنها تعرف ما تريد، وتدرك أن رفع كفاءة اللاعبين يبدأ منذ نعومة أظافرهم، فالبناء الصحيح للناشئين والشباب سيجني ثماره المنتخب الأول وسمعة الروبوت التي يشيعها عن نفسه ستصل إلى عنان السماء.
اقرأ أيضاً :
السعودية واليابان… رينارد يسحب التمساح خارج المياه
وربما لجأت السعودية إلى بناء قاعدة من اللاعبين الواعدين في سن صغيرة، وهو ما شاهده الجمهور في كأس آسيا للشباب تحت 20 سنة حيث وصل الأخضر إلى المباراة النهائية ولكنه خسر بركلات الترجيح بعد نهاية الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل الإيجابي بهدف لمثله حيث استضافت الصين الحدث، وحرص الأخضر على تقديم عناصر لفتت الأنظار.
ولكن الفارق يبدو شاسعاً بين بناء قواعد البراعم والشباب والناشئين داخل منتخب اليابان والسعودية، والذي يصب في صالح الساموراي، ولكن ما يزيد من التفاؤل أن الأخضر يصعد سلم الدرج بنشاط مستمر مما يعني أنه سيصل إلى ما يريد يوماً ما.
الاحتراف الأوروبي
قبل خوض منافسات كأس العالم 2022، كان منتخب اليابان يتفاخر بأن مواجهة ألمانيا لا تضعه تحت ضغط كبير مثلما يعتقد البعض، لأنه وقتها كان هناك الكثير من اللاعبين يحترفون في دوري البوندسليغا.
وعلى الفور استثمر الجهاز الفني لمنتخب اليابان هذا الموقف، لمنح جرعة من التفاؤل والثقة بين اللاعبين قبل خوض مواجهة ألمانيا، وكان عنوان المرحلة بأن نجوم اليابان يتشاركون المسرح مع لاعبي الماكينات لأن الغالبية من الجانبين تتنمي إلى البوندسليغا.
وأعاد الموقف إلى الأذهان حالة الرفض من جانب الهلال على احتراف نجمهم سعود عبدالحميد في روما الإيطالي وكيف رفض في البداية التخلي عن اللاعب، رغم أن ذلك يصب في صالح منتخب الأخضر، وأنه على الأندية التي يأتي إليها عقود احتراف عليها التراجع خطوة إلى الخلف في مواقفها الرافضة من أجل مصلحة الجميع.
ومؤخراً اعترف مشعل السفاعي وكيل اللاعبين الشهير، أن الكثير من اللاعبين السعوديين وصلتهم عروض احتراف أوروبية، قائلاً في تصريحات لبرنامج برا 18 الشهير : ” هناك لاعبين تم طلب التعاقد معهم من قبل أندية أوروبية، وذلك بعد متابعة الكشافين لهم، هم حسان تمبكتي ونواف العقيدي وطلال حاجي وسعد الموسى وعون السلولي وأيمن يحيى فضلاً عن محمد سليمان”
وتأتي هذه الأسماء من جانب وكيل لاعبين واحد فقط، دون النظر إلى ما جرى مراقبتهم من أسماء أخرى تابعين لوكلاء آخرين، لا سيما أن هناك متابعة عن كثب للنجوم العالمين الذين يرتدون قمصان أندية تنتمي إلى دوري روشن السعودي.
دوري روشن السعودي
مر دوري روشن السعودي بسلسلة من التغيرات الكبيرة على مستوى جلب النجوم العالميين إلى الأندية المحلية، وهو ما تسبب في شهرة واسعة للمسابقة الأبرز حالياً في الوطن العربي، لا سيما أن بعض الأسماء اللامعة مثل كريستيانو رونالدو (النصر) وإيفان توني (الأهلي)، وكريم بنزيمة (الاتحاد) وألكسندر ميتروفيتش (الهلال) رفعوا من كفاءة المتابعة للبطولة.
ويسمح نظام الاحتراف في دوري روشن السعودي بأنه يحق لكل نادٍ جلب 8 أجانب فوق السن واثنين أقل من 21 عاماً، وهو ما قلل من مشاركة اللاعبين المحليين في منافسات البطولة نظراً لأن كل فريق يبحث عن الحل السهل بضم اللاعب الجاهز.
وبالإضافة لذلك، فإن زيادة عدد الاجانب يقلل من فرص حصول المحليين على دقائق للمشاركة بصفة أساسية، مما يسبب معاناة في الغالب بالنسبة للفرنسي هيرفي رينارد المدير الفني للسعودية الذي يظل يتجول في الملاعب بحثاً عن مواهب مميزة في مختلف الخطوط.
وعادة ما يواجه رينارد مشاكل في انتقاء حراس المرمى لأن كل الأندية تقريباً تميل للتعاقد مع أجانب في هذا المركز، في حين حصل نواف العقيدي الحارس الأول حاليا للأخضر على فرصة حين قرر ترك النصر والذهاب إلى الفتح الذي يعاني حالياً نتيجة سوء النتائج.
ويدرك رينارد أن فرص حصول المحليين على دقائق في دوري روشن السعودي تبدو صعبة، لذا فإن اللاعبين المتاحين أمامه لضمهم إلى قائمة الأخضر ليسوا بالعدد الوفير الذي يمنحه حرية انتقاء الكثير من الأسماء.
والعكس بالنسبة لمنتخب اليابان الذي يوجد لديه الكثير من الأسماء سواء داخل الدوري المحلي أو من خلال المحترفين في قارة أوروبا، ويتواجد نجوم حاليا يمثلون الكثير من القدرات بالنسبة للساموراي مثل كاورو ميتوما حديث الكرة الإنجليزية بعدما تألق مع فريقه برايتون.
وحتى المهاجم دايزين ماييدا الذي كان مصدر الخطورة الرئيسي على مرمى العقيدي خلال مباراة السعودية واليابان فهو من الأسماء المميزة في نادي سلتيك الأسكتلندي، ويبلغ من العمر 27 عاماً، ويتبع حمية غذائية غنية بالبروتينات التي تمنحه دائما قوة عضلية رغم بنيته غير الضخمة.
العقلية تختلف
يجب على اللاعبين السعوديين والعرب بصفة عامة إدراك طبيعة عالم الاحتراف الأوروبي التي تقوم على تقسيم الوقت بين العمل والراحة والترفيه، ومن ثم الحصول على قسط مناسب من الراحة والنوم المبكر والاستيقاظ في ساعة مناسبة لبدء النشاط البدني.
ويميل اللاعب العربي الذي لم يخرج إلى أوروبا في سن مبكرة إلى اتباع النمط السلوكي الذي كان يسير عليه في بلده الأم، وهو ما يرفع من معدلات فشله في تجربته الاحترافية الأوروبية، ولكن الالتزام بالانضباط السلوكي سواء داخل الملعب أو خارجه يعني النجاح والتفوق.
وهناك أمثلة عربية مميزة مثل الثنائي المصري محمد صلاح (ليفربول) وعمر مرموش (مانشستر سيتي) والجزائري رياض محرز الذي يلعب حاليا في الأهلي السعودي، فيما يملك بعض العرب سجلات ليست طيبة في عالم الاحتراف الخارجي مثل عمرو زكي الذي كان من أهم اللاعبين في نادي ويجان أتليتك ثم سرعان ما انحرف سلوكه عن طريق عدم الانصياع لكلام مدربه وعدم السفر بانتظام لحضور التدريبات والحصول على دقائق. وأمام اللاعب العربي الاختيار بين الاستماع لصوت العقل الذي يقول أنه يجب أن يتخذ تدابير صحية مختلفة عن النمط الذي اعتاد عليه في بلده الأصلي كي ينجح في أوروبا، لا سيما أن